ضربة إسرائيل في قطر- تحولات إقليمية وتداعيات على الهيمنة والسلام

المؤلف: هشام جعفر09.16.2025
ضربة إسرائيل في قطر- تحولات إقليمية وتداعيات على الهيمنة والسلام

عند تحليل دور إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، يمكن اعتماد رؤيتين متباينتين: الأولى، اعتبارها قوة إقليمية مهيمنة، والثانية، تقييمها كقوة ذات تأثير تعديلي تسعى إلى إعادة هيكلة المنطقة وفقًا لمصالحها وأهدافها. لقد خلفت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قطر في التاسع من سبتمبر/أيلول آثارًا متشعبة، وفي بعض الأحيان متضاربة، على كلا الدورين المفترضين.

غالبًا ما تُعرّف القوة المهيمنة بأنها "القوة الكبرى الوحيدة في منطقة معينة"، التي لا تواجه تحديات عسكرية جوهرية من دول أو جماعات أخرى، مما يتيح لها توجيه سياساتها الخارجية والدفاعية نحو جهات أخرى.

ومن الأهمية بمكان أن تتقبل الدول المجاورة وضع الدولة المهيمنة، بل وتستقبله بترحاب في بعض الأحيان، لضمان استدامة الهيمنة الإقليمية.

من ناحية أخرى، يمكن فهم القوة التعديلية من خلال أفعال إسرائيل وتطلعاتها المعلنة كدولة تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في النظام الإقليمي القائم، أو توسيع نطاق نفوذها، أو ضمان تحقيق مصالحها عبر استخدام القوة بطريقة عدوانية، وتجاهل الأعراف والمسارات الدبلوماسية المستقرة. ويتضمن ذلك مجموعة من الأهداف، مثل:

  1. عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة.
  2. توسيع النطاق الجغرافي لحدود إسرائيل.
  3. فرض معادلة أمنية إقليمية جديدة تمنح إسرائيل تفوقًا عسكريًا وهيمنة.
  4. استغلال الضربة كإظهار للقوة وتأكيد لموقفها الأمني المتشدد بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

ولكن كيف تؤثر ضربة قطر على هذين الدورين؟

في البداية، بدت الضربة بمثابة تأكيد للهيمنة الإسرائيلية المتصورة ولاستعدادها للعمل دون رادع في جميع أنحاء المنطقة. وقد صرح مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالتزامهم بملاحقة قادة حركة حماس "أينما كانوا".

تم تصوير هذه الضربة على أنها استعراض للتفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي، بل إن بعض الروايات الإسرائيلية الداخلية أشارت إلى أن العملية "أعادت لإسرائيل هيبتها وقوة الردع لديها".

ومع ذلك، فإن الضربة قد أضعفت بشكل كبير صورة إسرائيل ومزاعمها بأنها قوة مهيمنة مستقرة، حيث أخفقت في تحقيق الأهداف المعلنة. وأفادت التقارير بأن الهدف الرئيسي، وهم كبار قادة حماس، قد نجوا من الهجوم. وبذلك فإن "ضربة الدوحة الفاشلة قد بددت الوهم بأن إسرائيل قادرة على استخدام القوة العسكرية وقتما تشاء وأينما تريد".

كما أدت الضربة إلى تآكل القبول الإقليمي والدولي. وأثارت موجة عارمة من "الغضب" و"الإدانة الحادة" من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن جهات فاعلة عربية ودولية أخرى، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويتعارض هذا بشكل مباشر مع متطلبات قبول الهيمنة الإقليمية من قبل الدول المجاورة.

لقد عززت الضربة الإسرائيلية في قطر التصور العربي العام لإسرائيل باعتبارها دولة مارقة تتجاوز القوانين والأعراف، مما أدى إلى اهتزاز الثقة في الأطر الأمنية القائمة بشكل ملحوظ، وإلى بذل جهود متضافرة لإعادة تقييم التحالفات الإقليمية والاستراتيجيات الدبلوماسية.

وقع الهجوم على أرض قطر، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، ومن حليف لها أيضًا. وقد أعربت القيادة الأمريكية، بما في ذلك الرئيس دونالد ترامب، عن "أسفها العميق" و"إحباطها"، بل وانتقدت الضربة علنًا، في خطوة نادرة.

وقد أثار هذا تساؤلات جدية بين دول الخليج حول مدى موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، وإلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل. إن هذا التشكيك في موثوقية الضامن الرئيسي يضعف أساس القوة العسكرية المزعومة لإسرائيل.

فبدلاً من أن تؤدي الضربة إلى ترسيخ مكانة إسرائيل كقوة مهيمنة في المنطقة، فإنها "زادت من عزلتها" ودفعت المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار. كما دفعت دول الخليج إلى التفكير في "تعزيز التعاون الدفاعي في مواجهة إسرائيل بدلاً من الشراكة معها".

وعلى الرغم من فشل الضربة في تعزيز الهيمنة، فإنها تتفق إلى حد كبير مع موقف إسرائيل كقوة تعديلية، مما يدل على نية واضحة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي من خلال العمل العسكري العدواني والأحادي الجانب.

إن الضربة التي أعقبت هجمات سابقة في لبنان وإيران وسوريا واليمن، تسلط الضوء على "الموقف الأمني العدواني الجديد" لإسرائيل و"ميلها إلى خوض المخاطر"، مدفوعة بتصميم على "تغيير وجه الشرق الأوسط". وهذه هي السمة المميزة للدولة التعديلية.

استهدفت الضربة بشكل متعمد مفاوضي حماس أثناء مناقشتهم مقترح وقف إطلاق النار الذي تدعمه الولايات المتحدة. وهذا يشير إلى تفضيل تحقيق "النصر الكامل" من خلال الوسائل العسكرية، وإجبار حماس على "الاستسلام"، بدلاً من التفاوض، وبالتالي تعزيز أهدافها القصوى في غزة.

إن الضربة التي وُجهت إلى دولة ذات سيادة وحليف للولايات المتحدة، وخاصة أثناء جهود الوساطة، كانت "انتهاكًا استثنائيًا وبالغ الخطورة للسيادة". وهذا يدل على استعداد إسرائيل لتجاهل القانون الدولي والأعراف الدولية لتحقيق أهدافها، وهي سمة من سمات القوة التعديلية التي تسعى إلى العمل خارج الأطر القائمة.

تهدد هذه الضربة بتقويض اتفاقيات أبراهام وجهود التطبيع الأوسع مع الدول العربية، والتي كانت تهدف إلى دمج إسرائيل في إطار أمني إقليمي جديد. ومن خلال زعزعة استقرار هذه الترتيبات، تسعى إسرائيل إلى تحقيق رؤيتها الخاصة الأكثر عدوانية للنظام الإقليمي.

وبالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن الضربة تخدم أيضًا المصالح السياسية المحلية من خلال إظهار القوة والحزم، خاصة في خضم الانتقادات الموجهة إلى إدارته للحرب، والدعوات إلى وقف إطلاق النار.

الخلاصة: إن ضربة قطر تعزز توصيف إسرائيل بأنها قوة تعديلية؛ بسبب طبيعتها الأحادية والعدوانية والمتحدية للأعراف، والتي تهدف إلى تحقيق تحولات استراتيجية كبيرة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل غزة والقضية الفلسطينية.

ومع ذلك، وعلى النقيض من ذلك، فإنها تضعف مكانتها الفعلية كقوة مهيمنة، حيث فشلت في تحقيق هدفها العسكري المباشر، وأبعدت شركاء إقليميين ودوليين أساسيين، وكشفت عن حدود عملها غير المقيد، وخاصة فيما يتعلق بحليفها الذي لا غنى عنه، الولايات المتحدة.

وفي حين أن إسرائيل ربما كانت تنوي إظهار قدرتها وقوة الردع لديها بعد الضربة على قطر، فإن النتائج تشير إلى خسارة صافية في القوة الرادعة الشاملة، وخاصة في النفوذ الدبلوماسي والاستقرار الإقليمي، مما يؤدي إلى زيادة العزلة وانعدام الثقة بدلاً من إعادة إرساء موقف رادع مستقر.

ديناميكيات إقليمية جديدة

لقد أدت هذه الضربة إلى إعادة تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية بشكل كبير وأثرت بشدة على الجهود الدبلوماسية، ولا سيما تلك التي تهدف إلى حل الصراع في غزة.

لقد وجهت الضربة ضربة قاصمة لوقف إطلاق النار ومفاوضات إطلاق سراح الرهائن، وحطمت إحدى القنوات القليلة المتاحة لحل الصراع.

أعلنت قطر، الوسيط الرئيسي في صراع غزة بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، على الفور أن جهود الوساطة التي تبذلها "غير مجدية وقائمة في الوقت الحالي" بسبب الهجوم.

ويأتي هذا القرار نتيجة لمخاوف جدية بشأن أمنها وقدرتها على المخاطرة، حيث قُتل أحد أفراد الأمن القطريين في الضربة. وكانت قطر قد تلقت في وقت سابق تأكيدات من الاستخبارات الإسرائيلية والبيت الأبيض بأن مثل هذا الهجوم لن يحدث على أراضيها. وقد أنهت الضربة فعليًا وساطة قطر التي استمرت لسنوات عديدة.

إن الضربة تقوض بشدة مصداقية الولايات المتحدة كضامن للأمن والاستقرار بين حلفائها في منطقة الخليج. وتستضيف دول المنطقة قواعد عسكرية أمريكية. وقد أدى عجز الولايات المتحدة أو عدم رغبتها في منع هجوم من قبل حليف رئيسي آخر (إسرائيل) إلى إثارة تساؤلات واسعة النطاق حول الضمانات الأمنية الأمريكية.

إن رد فعل الرئيس ترامب المختلط – الذي أعرب عن استيائه بينما أشاد في الوقت نفسه بالسعي إلى القضاء على أعضاء حماس – زاد من تعقيد الموقف الأمريكي.

أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بيانًا نادرًا أعرب فيه عن "قلقه العميق" إزاء الضربة الإسرائيلية، وأدانها باعتبارها انتهاكًا صارخًا لسيادة قطر، وتهديدًا لجهود الوساطة.

وتمثل الضربة الإسرائيلية في قطر تحولًا كبيرًا في النظرة الإقليمية لإسرائيل ودورها في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب التضامن المتجدد بين دول الخليج.

لقد عزز الهجوم الرأي القائل بأن إسرائيل تتصرف كقوة عسكرية مهيمنة غير مقيدة في المنطقة، ومستعدة لاستخدام القوة بشكل عدواني حتى على حساب العلاقات الدبلوماسية.

هذا التصور يشكك في دورها المحتمل كـ "شريك أمني" ضد التهديدات مثل إيران، بل يضعها بدلاً من ذلك كمصدر لعدم الاستقرار الإقليمي المستمر وتهديد لجيرانها، بما في ذلك الدول التي لديها معاهدات سلام قائمة معها.

أثارت الضربة إدانة واسعة النطاق من جميع دول الخليج، التي نددت بها باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي والسيادة القطرية. ومن الجدير بالذكر أنها عززت الوحدة والتضامن بين دول الخليج.

على سبيل المثال، زار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدوحة على الفور للتعبير عن دعمه، وكان من المتوقع أيضًا أن يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهي وحدة مدفوعة باهتمام مشترك بالسيادة والأمن الجماعي لدول الخليج.

ويهدد الهجوم بتقويض الإطار الهش لاتفاقيات أبراهام وجهود التطبيع الأوسع بين إسرائيل والدول العربية. لقد أظهرت الضربة أن اتفاقيات التطبيع لا تقيد بالضرورة الأعمال العدوانية، حتى بين الشركاء المفترضين.

كما أن الرفض الشعبي المتزايد للتطبيع بين الشعوب العربية؛ بسبب العدوان الإسرائيلي، يقيد بشكل أكبر رغبة القادة العرب في التعامل مع إسرائيل.

ومن المؤكد أن دول الخليج ستعيد تقييم اعتمادها الأمني على الولايات المتحدة. وقد أدت الضربة، التي أعقبت هجمات سابقة للميليشيات الحوثية على منشآت نفطية سعودية، بالإضافة إلى ضرب إيران قاعدة العديد القطرية، إلى تكثيف الشكوك حول موثوقية واشنطن كضامن أمني. وقد يدفع هذا دول الخليج إلى السعي إلى تحالفات عسكرية متنوعة، ربما مع قوى مثل تركيا، وباكستان، والمطالبة بضمانات أمنية أكثر رسمية وقوة من الولايات المتحدة.

كان للضربة تأثير على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. فقد شكلت تحذيرًا مباشرًا لتركيا ومصر، اللتين تستضيفان أيضًا قادة من حماس، مما يثير المخاوف من أن إسرائيل قد توسع عملياتها إلى الأراضي التركية أو المصرية.

إن هذا التصعيد، إلى جانب التوترات الإسرائيلية التركية القائمة بشأن سوريا، والمصرية بشأن التهجير، قد يؤدي إلى صراع كارثي أوسع نطاقا له تداعيات عالمية، مما يؤدي إلى تعطيل تحالفات حلف شمال الأطلسي بالنسبة لتركيا، ومعاهدة السلام بالنسبة لمصر.

إن ضربة الدوحة هي جزء من اتجاه أوسع نطاقا لتعميق التدخلات العسكرية الإسرائيلية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الصراع مع إيران.

يؤثر موقف إسرائيل العدواني واستهدافها خصومها في الخارج أيضًا على استراتيجيتها ضد حزب الله في لبنان، حيث تواجه الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لنزع سلاح الجماعة مقاومة قوية؛ بسبب الدور الدفاعي المفترض لحزب الله ضد إسرائيل ونفوذه السياسي.

لم تؤدِّ الضربة الإسرائيلية في قطر إلى توقف الجهود الدبلوماسية الحاسمة لوقف إطلاق النار في غزة فحسب، بل أدت أيضًا إلى تغيير ديناميكيات القوة الإقليمية بشكل جذري من خلال تكثيف عدم ثقة الدول العربية في إسرائيل والولايات المتحدة، وتعزيز التضامن بين دول الخليج، وربما إثارة إعادة تنظيم خطيرة للاستراتيجيات الأمنية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.

وتمثل القمة العربية الإسلامية المزمع عقدها يومي الأحد والإثنين الموافقين للرابع عشر والخامس عشر من سبتمبر/أيلول 2025 في العاصمة القطرية الدوحة، منعطفًا حاسمًا للمنطقة لمعالجة التحولات الجيوسياسية العميقة التي تحاول إسرائيل وحلفاؤها فرضها، وإعادة تعريف موقفها الأمني الجماعي، وتخطيط مستقبلها الدبلوماسي.

ومن المرجح أن تستكشف هذه القمة ردود الأفعال المختلفة من الدول المشاركة وعلى رأسها دول الخليج، بما في ذلك السعي إلى اتخاذ إجراءات قانونية دولية ضد إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية، وتعزيز التحالفات العسكرية، وإعادة التوازن للشراكات السياسية مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا.

وأخيرًا؛ فهل بات على المجتمعين أن يدركوا بعد ضرب قطر أن الحرب الدائرة في المنطقة منذ عامين لم تكن بين حماس وإسرائيل كما سعى البعض لتصويرها؟ فالطوفان كان لحظة كاشفة وليست منشئة لحالة التوحش الإسرائيلي التي لن تكون الدوحة آخر حلقاتها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة